دموع الأسمر – الديار
حدث امني غير مسبوق، شهدته ساحة النجمة في مدينة طرابلس امس الاول، يؤشر الى حجم الفلتان الامني الذي تشهده المدينة… ثلاثة مسلحين يقتحمون مبنى، ويتجهون نحو الطبقة الثالثة، يطرقون باب ( ع. ز.) الذي فتح الباب ليتفاجأ بالمسلحين الذين اطلقوا على قدميه الرصاص، ثم لاذوا بالفرار…
حادثة يمكن التوقف عند دلالاتها، ولعلها لم تحصل في اسوأ الظروف التي مرت بها المدينة…
هل انتهى مفعول الخطة الامنية في مدينة طرابلس التي أطلقت العام ٢٠١٤ بعد معارك عبثية بين التبانة وجبل محسن، واثر فلتان امني غير مسبوق حينذاك ؟
ما يحصل في طرابلس مريب ومرعب، وينذر بعواقب وخيمة في حال تمدد الفلتان الامني وتوسعه، وقبل شهرين من موعد الاستحقاق الانتخابي.
التجوال في شوارع طرابلس عند حلول الظلام أمر غير مضمون العواقب، اما في النهار فحوادث واشكاليات توحي بأن الفلتان الامني هو السائد على الساحة الطرابلسية مع كثير من التساؤلات حول صمت القوى الامنية او غيابها النسبي عن الساحة.
اشكالات امنية شبه يومية، نتيجتها غياب الامان، وكأن طرابلس الغارقة في ازمات معيشية واقتصادية واجتماعية وانمائية، لم ينقصها الا الازمة الامنية المتمادية.
تساؤلات كثيرة حول الاسباب التي دفعت الى ترك المدينة يعبث فيها الخارجون عن القانون، تصفيات وقتلى في حوادث شبه يومية.
آخر الحوادث الامنية المثيرة، والتي تؤشر الى حجم الفوضى الامنية في عاصمة الشمال، هي الجريمة التي وقعت يوم امس، حين دخل ثلاثة مسلحين مبنى الذوق في ساحة النجمة وسط المدينة وتوجهوا الى الطبقة الثالثة، طرقوا الباب ثم انهالوا على قدمي صاحب المنزل بوابل من الرصاص، وفر المسلحون الى جهة مجهولة. علما ان المبنى يقع في حي شعبي والخروج منه ليس بالامر السهل.
وفي محلة القبة تعرض احد المارة لاطلاق رصاص من مجهول على متن الدراجة النارية وفر هاربا الى جهة مجهولة.
اما شارع عزمي الاشهر في طرابلس، وهو شارع تجاري يقصده الزبائن من مناطق شمالية عديدة، فشهد اكثر من عملية سرقة ونشل عبر الدراجات النارية، وكأن الشارع خارج عمليات الاجهزة الامنية، وتتحول شوارع اخرى الى مسرح عمليات سطو وتهديد بالسلاح، حتى بات المواطن يخشى ارتياد هذه الشوارع خاصة عند حلول الظلام.
وقبل هذه الحادثة بأيام قليلة، مجهولان على متن دراجتين ناريتين يعترضان شابا على دراجة نارية متجها الى منزله في محلة القبة، يسلبانه الدراجة وهاتفه وبضع اوراق نقدية لبنانية هي محصوله اليومي الضئيل…
حوادث النشل اليومية مسلسل لا ينتهي في طرابلس كلما حل الظلام في شوارع المدينة واحيائها… ليس النشل ما يقلق الطرابلسيين وحسب، فالقلق اكبر واخطر من نشل في الليل وفي النهار… المدينة التي صنفت عاصمة لبنان الثانية، ثم العاصمة الاقتصادية، باتت اليوم اشبه بشيغاكو الاميركية مسرحا لمافيات وعصابات مخدرات، او لعمليات ثأر وانتقام، او تصفية حسابات…
يوم كانت العاصمة الشمالية تشهد جولات العنف العبثية، كان هناك من يصف المدينة بالار ه اب او يسميها «قندهار»، اوصاف اساءت الى جوهر المدينة، والى اهلها المشهود لهم بالاعتدال وبوحدة النسيج الاجتماعي والعيش الوطني.. فيها تتعانق الكنيسة مع المسجد، وتتلاصق ابنية المسيحيين والمسلمين، قبل تسلل حفنة من التكفيريين اليها، لكن معظم المواطنين يغلب عليهم الحس الوطني بانصهار اجتماعي متميز، وكانت المدينة الاكثر أمانا واستقرارا بين المدن.
لكن ماذا تغير في هذه المدينة؟ ثمة اياد تعبث بحياة المدينة وبتاريخها، حسب رأي مرجعيات اقتصادية طرابلسية.. وتشير هذه المرجعيات الى أن حوادث النشل والسرقات والسلب تطورت الى حوادث امنية في الزواريب والاحياء الطرابلسية، وان غياب الطاقة الكهربائية حول المدينة الى بقعة قاتمة تفتقد الكهرباء تغري العصابات بتنفيذ عملياتها، كما ان عصابات المخدرات تنشط تحت جنح الظلام.
مصادر سياسية اوضحت ان عمليات ثأر عديدة وقعت، اغتيالات وتصفيات متواصلة في ابي سمراء وفي الميناء وفي التبانة، وآخرها في باب الرمل عملية ذات طابع أمني بامتياز تجسدت باغتيال احمد الايوبي القيادي في الحزب السوري القومي الاجتماعي، باعصاب باردة.
الجريمة بحد ذاتها اشارة الى ما آلت اليه طرابلس من فلتان وفوضى، وبات فيها الاغتيال أمرا سهلا لا يحتاج الى تدابير استثنائية سوى قبعة وقناع ودراجة نارية لتسريع فعل الاختفاء بين الازقة الضيقة…
مصدر طرابلسي رأى ان العصابات لا تكتفي بعمليات الثأر والانتقام، بل تفاقمت عمليات ترويج الحبوب المخدرة وتعاطيها بين الفتيان، ويلقى القبض على المتعاطين ، لكن الرؤوس الكبيرة تسرح وتمرح محمية بمظلات سياسية، واذا صودف توقيفها لبضعة ايام فمن الباب الى الشباك…
ولا يخفي كثير من الطرابلسيين خشيتهم من التجول ليلا في شوارع المدينة، لا سيما ان هذه الشوارع تخلو قرابة منتصف الليل من الدوريات الامنية والحواجز المتنقلة، هذا في حال تسيير دوريات امنية غير متواصلة في الاصل…
ثم اين هي دوريات الاجهزة الامنية ولماذا كل هذا الاستهتار والتساهل الامني مع المافيات ومع مطلقي الرصاص العشوائي، ومع مطلوبين بتهم مختلفة؟؟…
أمن طرابلس في الميزان ، وبخاصة ان الاستحقاق الانتخابي يقترب بينما الاحباط ككرة الثلج يكبر وتتسع دائرته في مدينة باتت اشبه بمدينة اشباح.