محمد المدني
قالها الرئيس نجيب ميقاتي، “هذه آخر حكومة أترأسّها”. هو يعني ما يقول، وهذه ليست مناورة أو تمثيلية، بل حقيقة يجب الوقوف عندها، وكأن ميقاتي يحذو حذو سعد الحريري في تعليق العمل السياسي.
اعلان
يدرك رئيس حكومة تصريف الأعمال، أن بقاءه في السراي الحكومي خلال العهد الجديد دونه صعوبات من المستحيل تجاوزها، وعندما يُصرّح أنه لن يترأس الحكومة في قادم الأيام، فهذا يعني أنه مطّلع على ما يدور داخل وخارج الحدود.
أولاً، فقد ميقاتي الدعم الفرنسي الذي تمتّع به منذ سنوات، بفضل علاقاته الطيبة مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس المخابرات برنار إيمييه. دولة الرئيس، فشل في وقف الدعاوى القضائية المقدمة ضده في إمارة موناكو، وبات يشعر أن ثروته في خطر، وقد تنقلب الموازين الفرنسية ضده بأي لحظة. فضلاً عن أن ماكرون، ليس من مصلحته المخاطرة بسمعته داخل فرنسا، لارتباط اسمه بإسم نجيب ميقاتي، خصوصاً أن القضاء المالي في فرنسا بإمكانه محاكمة رؤساء الجمهورية بعد انتهاء عهدهم.
ثانياً، يراهن ميقاتي في لبنان على وصول رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية إلى سدة الرئاسة. العلاقة الجيدة بين الرجلين، قد تساعد ميقاتي في الحفاظ على موقعه السياسي، لكن مع تراجع حظوظ فرنجية نتيجة الفيتو الذي تفرضه قوى المعارضة مع “التيار الوطني الحر” على رئيس “المردة”، يصبح ميقاتي في وضعٍ حرج لأن أي رئيس آخر غير فرنجية، لن يسهّل المهمة أمام تكليفه لتشكيل حكومة جديدة.
ثالثاً، يراقب ميقاتي نشاط الرئيس السوري بشار الأسد، الذي يستعيد عافيته شيئاً فشيئاً، ومع عودة الأسد إلى الحضن العربي وممارسة دوره السياسي داخل وخارج سوريا، يصبح ميقاتي خارج المعادلة السياسية. ذلك لأن ميقاتي انقلب على النظام السوري خلال الحرب بعدما كان من أشد المقرّبين منه أيام السلم، وقد استفاد من سوريا في تكديس ثروة تُقدّر اليوم بمليارات الدولارات.
رابعاً، يعرف ميقاتي أن معارضةً قوية ستواجهه عند استحقاق رئاسة الحكومة المقبل في حال قرر البقاء، وسيكون أمام قوى سياسية ستمنعه من العودة إلى السراي، وهو لن يكون بمقدوره مواجهة هذه المعارضة لعدة أسباب يجب ذكرها.
السبب الأول، لم يحقّق ميقاتي أي نجاحات تذكر خلال تولّيه رئاسة الحكومة الحالية. يكفي أن نقول أن ميقاتي وصل إلى السراي وكان سعر صرف الدولار حوالي 19 ألف ليرة واليوم هو على أبواب الـ 90 ألف ليرة.
السبب الثاني، لا يتمتع ميقاتي بمشروعية سياسية كافية لا على الصعيد السياسي ولا التمثيلي، فهو ليس لديه كتلة نيابية ولم يخض الإنتخابات النيابية الأخيرة، كما أنه لا يمثل مسار التجديد والتغيير في الحياة السياسية.
السبب الثالث، لا يحظى ميقاتي بدعم الدول العربية باستثناء قطر، التي تبحث أولاً وأخيراً عن مصالحها التجارية بميقاتي أو بدونه، إضافة إلى أن الدول الخليجية غير متحمّسة للرئيس ميقاتي، ولا سيّما المملكة العربية السعودية، فهم يعتبرون أن ميقاتي حجر أساس في محور الممانعة وهو حليف ل”حزب الله” في السياسة اللبنانية العميقة.
وحتى لو تمتع ميقاتي لعدة اعتبارات بدعم الرئيس ماكرون، فهو يحتاج إلى رضى الدول العربية، كما يحتاج إلى مشروعية داخلية سنّية يفقدها وإنجازات يعتمد عليها لكي يقدم نفسه وتكون هي أوراق الإعتماد لرئاسة الحكومة، لكنه لا يمتلك أي عنصر من هذه العناصر.
في المحصلة، يبدو أن الرئيس ميقاتي على اطلاعٍ واسع ودراية بسوء وضعه السياسي، لذلك قرأ كل هذه المعطيات ليستنتج منها بأن عودته إلى رئاسة الحكومة شبه مستحيلة.