بقلم طلال الأسعد
كثر المباركون، خصوصاً في الأسبوعين الماضيين، بولادة الحكومة. وكنّا نصرّ “لا حكومة، حتى الآن”. وقالوا “مشيت” و”خلصت”، وكان خزّانٌ من التفاؤل أفرغ في وسائل إعلامٍ كثيرة. والنتيجة “راوح مكانك”.
تصرّ مصادر القصر الجمهوري ورئيس الحكومة المكلّف على توزيع الأجواء الإيجابيّة. قيل مثلاً، منتصف هذا الأسبوع، إنّ التشكيلة باتت جاهزة والولادة بعد ساعات، وصعد الرئيس نجيب ميقاتي الخميس الى بعبدا، وتأمّل كثيرون خيراً. لم تصدر التشكيلة الخميس. قيل الجمعة، ربما، وما لمحنا ميقاتي في بعبدا.
ونكرّر، لا حكومة حتى الآن، والمسألة تتعدّى حقيبةً أو إسماً أو حصّة. وثمّة مؤشّرات كثيرة، ظاهرة أو خفيّة. بيان رؤساء الحكومات السابقين، استدعاء القاضية غادة عون لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، كلام المفتي عبد اللطيف دريان، انزعاج ميقاتي من تدخّل النائب جبران باسيل الذي عبّر عنه مقرّبون منه في أكثر من مقال…
هكذا أجواء سلبيّة لا تصنع حكومةً. الرئيس ميشال عون لن يوافق على حكومة لا يتحكّم بقراراتها الكبرى. الرئيس سعد الحريري لن يسهّل مهمّةً لم ينجح بإتمامها. الرئيس نبيه بري لن يرضى بتسليم الحكومة الى عون. حزب الله يملك حساباته وأجندته، وقريباً بواخره.
نصل الى خلاصة لم تتغيّر منذ أشهر، قبل ميقاتي وبعده: الظروف لم تنضج بعد من أجل ولادة حكومة، وهي داخليّة وخارجيّة في آن، وترتبط بعوامل كثيرة تبدأ من مسار التفاوض الأميركي الإيراني وتمرّ بالعقوبات على باسيل لتصل الى مهام الحكومة والتعيينات وإقالة سلامة وغيره.
قد تنضج الظروف بعد أيّام، وقد لا تنضج أبداً، فنبقى بلا حكومة ويعتذر ميقاتي ويذهب البلد الى مواجهة طائفيّة، تحديداً مسيحيّة – سنيّة يستفيد منها الفريقان في الانتخابات النيابيّة المقبلة. فإن اعتذر ميقاتي سيكون صعباً على أيّ سنّي أن يوافق على حمل كرة النار، لا بل قد نصل الى مقاطعة سنيّة لرئيس الجمهوريّة.
نحن أمام أشهرٍ سنشهد فيها ارتفاعاً في منسوب الخطاب الطائفي، ما قد يولّد إشكالات متنقّلة وتسقط دماء. إن شُكّلت حكومة ستكون الأمور مضبوطة أكثر. إن لم تشكّل سيكون السيناريو مأساويّاً أكثر، مع استمرار الانهيار ورفع الدعم. كتبنا منذ أسابيع أنّ “أيلول طرفه بالكوارث مبلول”.
يحصل ذلك بينما حكّامنا لا يتأثّرون بمريضة سرطان تبحث عن دواء… وعن ضمير مسؤول.