كاتب المقال : اساس ميديا
مجزرة 14 آب 2021 هي كارثة جديدة انضمّت إلى كوارث آب اللبنانية، من تفجير مسجديْ السلام والتقوى في 2013 إلى تفجير مرفأ بيروت في 2020، لتضيف عملية قتل جماعية جديدة إلى روزنامة اللّبنانيين، حملت أفظع المشاهد وأقسى الحالات بعدما تحوّل المئات من أبناء عكار إلى جثث متفحّمة ورماد متناثر، نتيجة إقبالهم على تعبئة مادة البنزين من خزّانات معدّة للتهريب إلى سوريا، وقيام نجل صاحب الأرض بإطلاق النار على أحد الصهاريج متسبّباً بانفجاره وبكارثة إنسانية لن تتجاوزها عكار قبل رفع أقواس المحاسبة للمسؤولين عنها.
وبينما حاول رئيس بلدية التليل جوزف منصور، الذي لم يكن حاضراً في مكان الانفجار، إبعاد الاتّهام عن نجل صاحب الأرض التي انكشف أنّ فيها خزانات مليئة بالبنزين والمازوت المعدَّين للتهريب إلى سوريا، عبر القول إنّ “هناك شخصاً أشعل “قداحة” فانفجر خزّان البنزين”، وأن “لا صحة لحصول إطلاق نار أدّى الى وقوع مجزرة خزّان المحروقات”، فقد أكّد عشرات من شهود عيانٍ عبر وسائل الإعلام مراراً وتكراراً أنّ الأرض تعود إلى المدعو جورج إبراهيم (الرشيد)، وأنّ نجله أطلق النار بعدما بدأت استخبارات الجيش توزيع المحروقات على المواطنين. وكانت قد صادرت القسم الأكبر منها، وأبقت القسم الباقي لمساندة المواطنين، وبينهم عدد كبير من العسكريين، في تأمين حاجاتهم الملحّة.
وفي هذا السياق، جاء بيان قيادة الجيش ليؤكّد أنّ “مديرية الاستخبارات أوقفت قيد التحقيق المدعو (ر.أ) ابن صاحب قطعة الأرض التي انفجر فيها خزّان الوقود في بلدة التليل”، وأوضح أنّ انفجار الخزان وقع “داخل قطعة أرض تُستخدم لتخزين البحص في البلدة، كان قد صادره (الخزّان) الجيش لتوزيع ما بداخله على المواطنين”، وأنّ “الجيش بدأ التحقيقات بإشراف القضاء المختصّ لمعرفة ملابسات الانفجار”.
في الحصيلة الإنسانية لانفجار التليل، ذكرت إحصاءات وزارة الصحة وقوع 28 شهيداً وأكثر من 100 جريح، بينما لا يزال عدد من الضحايا مفقودين، وردت أسماؤهم على النحو الآتي: سامي عبد القادر- الدوسة، أحمد عثمان – خربة شار، فادي غازي الشيخ – عين تنتا، علي الوعري – البربارة، مصطفى كوجا –الدبابي، وليد كوجه – الدبابية، محمد الأسعد، عسكري في الجيش، ومحمد الكردي (سوري) – مقيم في الكويخات.
في السياسة، انفجرت الاتّهامات باتجاه نواب عكار، بالتواطؤ والمشاركة في أعمال التهريب، وطالت بشكل رئيسي النواب: أسعد درغام ونائبان من كتلة المستقبل، وتقاطعت صرخات المواطنين على تأكيد ارتباط درغام بصاحب الأرض جورج الرشيد، وعلى وجود شراكة بين الأخير وبين نائب شاب من المستقبل. وقد انبرى درغام والبعريني عبر وسائل الإعلام لنفي الاتهامات، فيما لم يوفّرهم أهالي عكار بالاستهداف، وتصاعدت الدعوات إلى استقالة مَن يمثّلونهم من المجلس النيابي.
برز في هذا المجال الهجوم العنيف الذي شنّه الناشط شربل الخوري على النائب البرتقالي، إذ قال: “أسعد درغام كذّاب، أسعد درغام حامي المهرّبين، ما فيك تتنصّل من جورج الرشيد، وما فيك تتنصّل من علي عباس، إلّي ما انحبس دقيقة بعد مصادرة المعلومات آلاف الليترات من مخزنو بي عيدمون، وإنت ساعدت ما ينحبس، ما تكذب يا أسعد، صح في غيرك نواب عم يحموا المهربين، بس إنت منهن”.
النائب والوزير السابق معين المرعبي أكّد الرواية التي بات عليها إجماع من قبل الشبّان الذين شهدوا حادثة الانفجار، وتفيد بمسؤولية نجل المهرّب جورج إبراهيم (الرشيد) عن إطلاق النار على الصهريج نتيجة نوبة غضب شديد انتابته بسبب مصادرة “التهريبة” منه، معرباً عن اعتقاده بأنّه لم يكن في حسبانه وقوع هذا الانفجار، تاركاً كشف كامل التفاصيل للجيش، نظراً إلى أنّ ضبّاطه وعناصره كانوا حاضرين في الواقعة، ومنهم شهداء وجرحى.
ولفت المرعبي إلى وجود تغطية سياسية واضحة للتهريب، وتحديداً للموقع الذي أقامه جورج الرشيد في أرضه، ويعمل في إطار تحاصص النواب، بعد تحوّل المحروقات إلى مادة لابتزاز اللبنانيين، واعتمادها كأداة انتخابية، معتبراً أنّ النواب المشاركين في التهريب مجرمون عتاة، لم يتوانوا حتى عن تهريب الطحين وحرمان المواطنين من رغيف الخبز.
وأضاف المرعبي أنّ “هناك كلاماً كبيراً عن “شراكة حلبية” بين النائبين أسعد ضرغام ونائب مستقبلي مع شبكة المهرّبين التي يُعتبر جورج الرشيد أحد أركانها. وتمتدّ هذه الشراكة إلى مجال المقاولات. فلم يعد هناك اختلاف بين التيار العوني وتيار المستقبل في المصالح، فقد جاء نوّاب عكار نتيجة تحالف غير مبارك بين سعد الحريري وجبران باسيل، ودأب أغلبهم على الانخراط في التهريب، وتمنين الناس ببضعة ليترات من البنزين والمازوت من كيسهم”.
من جهته، قال النائب وهبي قاطيشا لـ”أساس”: “إنّ إبراهيم الرشيد أقام خزّانات لتخزين المازوت والبنزين في إطار التهريب الجاري إلى سوريا، بغطاء سياسي ووسط غياب كامل للدولة، وأدّى ذلك إلى هذه الكارثة الوطنية”، متسائلاً: “كيف يمكن لهذا الشخص الحصول على هذه الكميّات الضخمة من المحروقات؟ ومَن سهّل له الحصول عليها؟ وكيف تمكّن من إيصالها، في وقت يعجز المواطنون عن الحصول على قطرة وقود؟ وأنا كنائب لا أستطيع الحصول على واحد في المئة من هذه الكمّيات المخزّنة”، داعياً إلى “إنزال أشدّ العقوبات بكلّ مَن لهم صلة بهذه الجريمة، سواء كانوا مهرّبين أو سياسيّين يقومون بتغطيتهم”.
ولفت قاطيشا إلى أنّ “أغلب أهالي بلدة التليل كانوا في الاحتفال السنوي بـ”عيد السيدة” العذراء، واستمرّ الاحتفال حتى ساعة متأخّرة من الليل، فيما توافد أهالي المناطق المجاورة للحصول على البنزين بعد فقدانه واحتياج المواطنين إليه”، محذّراً من الانزلاق إلى التصنيفات الطائفية وإعطاء ما جرى بُعداً طائفياً، ومؤكّداً أنّ “المهرّبين ليس لهم دين، ولو حضر أهل بلدة التليل لسقط عدد كبير منهم إلى جانب الضحايا”.
وأكّد قاطيشا أنّ “ما جرى كارثة وطنية يجب ملاحقة جذورها المرتبطة بساكن بعبدا، وبالأزمة القائمة على المستوى السياسي. وما جرى في عكار هو انعكاس لإجرام الأغلبية الحاكمة”.
رئيس الهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير قال لـ”أساس” إنّ “هذه الكارثة كشفت من جديد افتقار عكار خصوصاً، والشمال عموماً، إلى أدنى مقوّمات الحفاظ على الحياة”، مبدياً أسفه لغياب الاهتمام العربي والدولي بهذا المصاب الكبير الذي حلّ بأهل عكار. واستغرب في الوقت نفسه غياب الدولة، متسائلاً: “أين وزير الطاقة ليساند جهود الإغاثة التي تفتقر طواقمها إلى الوقود؟”.
وشمل اللواء خير في تساؤله سائر وزارات الدولة، مناشداً الدول العربية والدول الصديقة للشعب اللبناني والمنظمات الإنسانية المساعدة في توفير مستلزمات علاج الحروق من الدرجة الثانية والثالثة بصورة خاصة، موضحاً أنّ هناك نقصاً كبيراً في أدوية الحروق، وطلب من مصر وتركيا إرسال طواقم طبية أو طائرات خاصة.
في قلب هذا الجحيم يلتقي الرئيس ميشال عون وصهره جبران باسيل على اتّهام عكّار بالخروج على الدولة، ويتهم بيان “المجلس الأعلى للدفاع” أنّ “جماعات متشدّدة” هي السبب. ويدعوان إلى إعلان عكّار منطقة عسكرية، وكأنّ بينهما وبينها ثأراً لا ينتهي، فيما يدخل الرئيس سعد الحريري على الخط مزايداً ومحاولاً تسجيل النقاط على رئيس الجمهورية وجبران باسيل في هذه المأساة التي يفتقر ضحاياها إلى وسائل العلاج الضرورية، في منطقة منكوبة منذ عشرات السنوات