زياد عيتاني – الأربعاء 24 حزيران 2020
أسهل مهمة يمكن أن يرتكبها مسؤول أمن، أو مخبر لأحد الأجهزة الأمنية في هذا الزمان، هو أن يلفّق ملفاً أمنياً يكون “إضبارة” لمدينة طرابلس وأهلها، تهمة أمنية تبدأ من حيازة سلاح دون ترخيص، وتنتهي بالإرهاب وتشكيل عصابة أشرار.
أسهل تهمة أمنية في وطننا هي أن تقول إن طرابلس بؤرة للإرهاب، أو أن طرابلس مرتع للمارقين على الدولة الرافضين للقوانين الخارجين عن السلطة والدستور المطالبين بانقسام لبنان الى أجزاء وأجزاء.
إقرأ أيضاً: انقلاب على مين؟!
المدينة الشمالية والتي يُقال إنها العاصمة الثانية للبنان “جسمها لبّيس” كما يقال في العامية. والحكاية لا تبدأ الآن، هي حكاية لعلها بدأت منذ التفكير بتأسيس دولة اسمها لبنان عندما كانت تسمى المدينة بطرابلس الشام.
كثرت الكتابات الصفراء في الأيام والأسابيع الأخيرة عن اجتماعات ولقاءات تعقد في المدينة. وأحدث هذه الاتهامات أن طرابلس بات ولاءها تركياً. وأن تلك الرايات الحمراء التي يتوسطها الهلال باتت في كل مكان. حتى يُخيل اليك أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بات سلطاناً يسكن قلعة المدينة. وأن اساطيل العثمانيين، تربط حبالها على رصيف الميناء، والجندرمة التركية باتت في كل مكان. وتزداد الحكاية وتزدحم بالأقاويل والقصص ولا أحد يعرف مصدرها. ويقولون، إن المدينة تستعد لاستقبال جيش أردوغان ويبدأون بالحديث عن مخططات دولية، تارة أن الأيام القادمة تحمل الكثير من الأنباء، وتارة أخرى أن الشمال اللبناني وعاصمته طرابلس سيكون بؤرة لدويلة ومدخلاً لتقسيم لبنان.
هل حقاً باتت طرابلس بيد أردوغان؟! وان افترضنا ذلك ما هي الأسباب؟ّ! ومن يتحمّل المسؤوليات؟؟
من الظلم بمكان أن تطلب من مدينة كطرابلس أن تنام وأن يطول بها المنام، أو حتى أن تخلد إلى النوم دون موعد للاستيقاظ، فالمدن لم تعتد أن تنام اسألوا القاهرة، اسألوا دمشق وحمص وحلب والموصل والفلوجة واللاذقية نهارهم يتصل بليلهم، ودائماً في أزقة المدن الضجيج، وهمهمات الأحاديث لا تنتهي في أيّ أوان.
في التقصي والبحث عن الملامح التركية في العاصمة الشمالية، تجد أن مجمل الكلام يُسبق “بقيل وسمعت” أما الأدلة الدامغة أو القرائن المثبتة غائبة عن كلّ الأحاديث. فقط ما هو ثابت أن ما يقارب مئة حصة تموينية خلال شهر رمضان طلبتها إحدى الشخصيات من السفارة التركية لتوزيعها على فقراء المدينة، فكانت الاستجابة بمبادرة من السفير التركي في بيروت.
من الظلم، أن تطلب كل الدول الشقيق منها وغير الشقيق، من ينطق بالعربية أو لا يجيد العربية، من طرابلس أن تنتظرهم، أن تنتظر قراراتهم وبعض احساناتهم وصدقاتهم عند موسم العيد، أن تنتظر مبادراتهم وأولادها يجوعون صبحاً وظهراً وعند موعد وجبة العشاء.
عباءة جديدة يريدون إلباسها لطرابلس ويقولون إنّ نسيجها تركي. هي حلقة جديدة من مسلسل الاستهداف لمدينة دفعت من الأثمان الشيء الكثير
طرابلس ليست تركية ولا باكستانية ولا إيرانية، هي مدينة باتت تبحث عن الرغيف، مدينة يقتات أهلها ظلم القريب قبل البعيد، الذين يرونها فقط صندوقاً للبريد يرسلون عبره رسائلهم إلى الداخل وحتى إلى الإقليم.
طرابلس لا تهوى الولاءات، لقد مرّ عليها الكثير الكثير. اسألوا ساحة التل فيها وساعتها الشهيرة تضبط كلّ المواعيد. عقاربها اليوم متوقفة، ليس لعطل فيها بل لأن المدينة وأهلها عند المسؤولين لا موعد لها ولا توقيت.
في طرابلس تجد كلّ شيء، عمارة تركية ومملوكية وصليبية وبيزنطية، وقبل كل ذلك على كنفها بات جيش خالد بن الوليد. فيها حديقة خادم الحرمين الملك فهد وفيها أيضاً ساحة ابنها عبد الحميد كرامي.
عباءة جديدة يريدون إلباسها لطرابلس ويقولون إنّ نسيجها تركي. هي حلقة جديدة من مسلسل الاستهداف لمدينة دفعت من الأثمان الشيء الكثير. فلا تركيا قادرة على فرض نفسها في المدينة ولا هي براغبة بفعل هذا الشيء قليل منه أو كثير. ما يحصل في طرابلس أن الكثيرين في الداخل والخارج يتهمونها ظلماً وبهتاناً ليرفعوا عن أنفسهم تهمة التقصير.