ليوم الثالث على التوالي، تستمر المواجهات العنيفة ليلًا بين المتظاهرين وعناصر الجيش في طرابلس والميناء. وفي ليلة الأربعاء 29 نيسان، بلغت هذه المواجهات ذروتها، منذ الساعة التاسعة، بعد موعد الإفطار الرمضاني، وهي لا تزال مستمرة حتّى ساعات الفجر. وكانت البداية من تظاهرة انطلقت من ساحة النور جابت شوارع المدينة، وتوقفت أمام منزلي النائب سمير الجسر واللواء أشرف ريفي، ورددت الهتافات ضدّ السلطة، قبل أن يصل المحتجون إلى ساحة الشراع في الميناء، للانضمام إلى المتظاهرين هناك، حيث دارت مواجهة شرسة مع الجيش.
في طريقهم إلى الميناء، ردد المتظاهرون شعار “يا ميناء نحنا معاكي للموت”، وذلك تضامنَا مع الشبان الذين اعتقلهم الجيش بتهمة الاعتداء عليه والمشاركة في أعمال الشغب التي دارت ليلة الثلثاء. وبحسب معلومات “المدن”، اعتقلت مخابرات الجيش في الميناء ستة شبان شاركوا في تظاهرات الثلثاء، وهم: ر.ب.، ز.ز.، م.ع. خ.ع.، م.ت.، ن.ص.
أمّا اللافت في مواجهات ليلة الأربعاء في الميناء، فهو أنّ أعداد المتظاهرين بلغت نحو الألف، وكانوا يطالبون جميعًا بالافراج عن المعتقلين. حالة التوتر الكبير التي تعصف في المنطقة، حوّلتها إلى ساحة معركة، وقد اختلفت طبيعة المواجهة عن الليالي السابقة، إذ رمى المتظاهرون باتجاه الجيش زجاجات المولوتوف الحارقة، في مسافة فاصلة لا تتجاوز 150 متراً، كما رشقوا العناصر بوابلٍ من الحجارة والمفرقعات النارية. من جهته، يرد الجيش بإطلاق الرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع لتفرقة المتظاهرين، الذين كانوا يعيدون رمي الجيش بهذه القنابل المسيلة للدموع.
وفيما سُرّب فيديو لبعض عناصر الجيش يقومون بسحل أحد المتظاهرين والتنكيل به وضربه بعنف، أفادت الوكالة الوطنية للإعلام أنّ دورية من مخابرات الجيش “أوقفت أثناء المواجهات المتظاهر “ر.ج.”، بتهمة قيامه بأعمال شغب في طرابلس، وتم تحويله إلى الأجهزة المختصة للتحقيق معه”!
وبينما كانت تشهد ساحة النور بالتوازي مناوشات بين الجيش ومجموعة من المتظاهرين، كانت معركة الميناء تدور بظلامٍ حالك، وقد جرى إطفاء جميع أعمدة الإنارة، ولم تظهر ملامح المواجهات إلا تحت ضوء النار المشتعل بالحاويات وزجاجات المولوتوف. وقد أفادت غرفة العمليات في الجمعية الطبية الإسلامية أنّ فرق الإسعاف تقوم بنقل عدد من الجرحى، من جراء الاشتباك الحاصل بين الجيش اللبناني ومتظاهرين في محيط دوار الساعة في الميناء.
بالتوازي ليلًا، قطعت مجموعة من المحتجين أوتوستراد المنية ـ العبدة الدولي بالإتجاهين مقابل مبنى البلدية، وقد عزز الجيش انتشاره في المنطقة، كذلك وقفت آلية تابعة له أمام فرع مصرف البحر المتوسط في المنية، لمنع المتظاهرين من الاعتداء عليه. وفي البداوي، وقعت مناوشات بين الجيش ومجموعة متظاهرين قاموا برمي حجارة ومفرقعات نارية باتجاه العناصر، أثناء محاولتهم فتح اوتوستراد البداوي الذي قطعه المحتجون في الاتجاهين، كما وقع إشكال آخر بين الجيش وشبان من المنطقة أمام أفران الريداني.
مواجهات الميناء العنيفة ليلًا، بدأت بوادرها منذ ساعات الظهر، مع تنفيذ مجموعة من أبناء المنطقة اعتصاماً عند شارع بورسعيد وقطعه بالاتجاهين، للمطالبة بالإفراج عن الشباب المعتقلين. وفي حديث مع “المدن”، نفى المعتصمون في الميناء أي علاقة لهم بأعمال الشغب، وأكد بعضهم على “وجود طابور خامس بينهم”. وقال المواطن محمد عبوشي (54 عامًا): “يجب أن يعلم الجيش أن هناك مندسين يدخلون بيننا لإثارة الفتنة مع الجيش، ونحن نتهم أحزاب السلطة بالوقوف وراءهم، ولم ننزل إلى الشارع إلّا للتعبير عن وجعنا ومطالبنا المحقة ضدّ المصارف والسلطة والغلاء المعيشي وانهيار الليرة وخسارتنا الكاملة لقدرتنا الشرائية. لكن الجيش يعاملنا بعنف، ويعتقل الشباب تعسفيًا”.
وفي السياق، يشير مصدر أمني لـ”المدن” أنّ المدينة تشهد في الليالي الأخيرة “انخراط ملثمين من خارج المدينة بالتظاهرات، ويدفعون نحو افتعال مواجهات عنيفة مع الجيش باستفزازه والاعتداء عليه”. وأضاف: “مهمة الجيش منع كل اعتداء على الأملاك العامة والخاصة، ومنع حرف التظاهرات عن مسارها السلمي، لكن طرابلس تشهد تعديًا كبيرًا على الأملاك العامة والخاصة واعتداء على عناصر الجيش بالحجارة والمولوتوف، لذا يجري اعتقال كلّ متورط في هذه الأعمال”.
ليالي طرابلس التي تضجّ بها أصوات الرصاص والقنابل ومواجهات العنف، استيقظت صباح الأربعاء على حجم كبير من الأضرار والحرائق، لم تقتصر على المصارف، لا بل طالت الأبنية السكنية أيضًا والأملاك الخاصة. فبنك التمويل العربي الإسلامي الذي احترق بالكامل، ألحقت النيران أضرار بالمبنى فوقه في شارع المصارف، ومباني مأهولة أخرى، كما جرى حرق محل بوظة البشير وعدد من مكاتب السفريات في ساحة النور، ناهيك عن تحطيم أعداد كبيرة من السيارات الخاصة.
في هذا الوقت، تستمر الخشية في طرابلس من توريط المدينة في سيناريو العنف مع الجيش، بينما عشرات الآلاف من شبابها وسكانها يدفعون ثمنًا كبيرًا، جراء تدهور الأوضاع الاقتصادية واتساع رقعة البطالة والفقر، التي طالت أكثر من نصف سكان المدينة. أمّا السلطة والحكومة والنواب، فما زالوا غائبين عن سماع كلّ ما يجري في طرابلس.