الحصاد الإخباري
“غسان ريفي”
خلال شهر واحد قدمت ثورة الشعب اللبناني على سلطته الحاكمة ثلاثة شهداء هم: عمر زكريا الذي سقط أثناء محاولته تسلق مبنى مهجور في ساحة الشهداء لتثبيت العلم اللبناني عليه، وحسين العطار الذي سقط على طريق المطار عندما حاول منع أحد المجرمين من فرض خوة على حقائب المسافرين فأطلق النار عليه وأرداه، وعلاء أبو فخر الذي قتل بدم بارد على مثلث خلدة أمام أعين زوجته وأولاده على يد أحد العسكريين.
ثلاثة شهداء، وعدد من الجرحى سقطوا في البداوي وعكار وساحة الشهداء ومن الموقوفين، وشهر كامل من التواجد في الساحات والشوارع ومن تعطيل وشل البلد وإقفال المؤسسات العامة والخاصة والمصارف، والسلطة ما تزال تبحث في جنس الحكومة وإنتماءات أعضائها بين سياسيين، تكنوسياسيين،
غير مستفزين، تكنوقراط، إختصاصيين.. وتحت حجة التوافق على التأليف، كي لا يطول التكليف، يستمر رئيس الجمهورية ميشال عون في القبض على الاستشارات النيابية الملزمة مخالفا بذلك الدستور ومعطلا صلاحيات الرئيس المكلف الذي يُجري إستشارات مع الكتل السياسية لتحديد شكل ومضمون حكومته.
يمكن القول أن التخبط ما يزال سيد الموقف، فالتيار الوطني الحر يوحي بأن المشكلة ليست لديه بل هي لدى حزب الله والرئيس سعد الحريري، وحزب الله يسرّب أن الأزمة هي بين الحريري وبين جبران باسيل، والحريري يريد رئاسة الحكومة لكن بشروطه،
والحزب والتيار يرغبان بالحريري لكن بشروطهما، ورئيس الجمهورية يفتش عن مخرج لائق لباسيل، وباسيل يفتش عن كيفية تحقيق المزيد من المكاسب، فيناور من أجل العودة الى الحكومة، أو يفاوض على تسمية كل الوزراء المسيحيين فيها في حال أرادت القوات اللبنانية أن تبقى خارجها.
كل ذلك يجعل المراوحة القاتلة مستمرة، بينما يسمع اللبنانيون قرقعة لجهة أن الاتصالات قطعت شوطا كبيرا وأن الاستشارات ستكون خلال أيام والتأليف خلال أسبوع، لكنهم لا يجدوا طيحنا، ما يضطرهم الى تصعيد غضبهم في الشوارع، وما يزيد الطين بلة هو أن السلطة بدل تعمل على التهدئة من روع شعبها وطمأنته الى حاضره ومستقبله،
تُمعن في إستفزازه وإخراجه عن طوره، تارة بكلام صادر عن رئيس البلاد يدعو فيه من لا يعجبه أحد في الحكم الى الهجرة، وتارة أخرى بتظاهر السلطة ضد شعبها من خلال مسيرة بعبدا التي نظمها وزير الخارجية جبران باسيل لاظهار شعبيته تحت شعار دعم العهد،
وهو ضرب مجددا أمس من خلال اتهام بعض الحراك بالتآمر على السلطة، عندما خاطب التيار الوطني الحر بالقول: “ممنوع ردة الفعل لأن المؤامرة بدأت تنكشف والناس الطيّبيون بالحراك وبالبيوت كفيلون باسقاطها”.
لا شك في أن ما بين إستشارات التكليف وصلاحيات التأليف، والشروط والشروط المضادة، ومحاولة بعض التيارات السياسية تحقيق مكاسب عبر ركوبها موجة الثورة، فإن الحقد يتنامى والكراهية تكبر في قلوب اللبنانيين على سلطتهم الحاكمة وتياراتها،
خصوصا مع إستمرار بعض أركانها بإدارة “الأذن الطرشاء” لمطالب الناس وكأنهم يعيشون في كوكب آخر، ومحاولتهم تحميل الثورة مسؤولية الانهيار الاقتصادي والأمني، الأمر الذي يجعل الحراك أكثر صلابة وعنداً خصوصا بعدما تعمد بدم ثلاثة من الشهداء كان آخرهم علاء أبو فخر الذي إحتضنه اللبنانيون بمختلف طوائفهم ومذاهبهم ومناطقهم قبل أن يحتضنه ثرى الشويفات .