كتب الشيخ طلال الأسعد
سماحة السيد حسن نصر الله وعد في خطابه الأخير : بأنها المره الأخيره أتحدث فيها عن معركة عرسال وهذا خير دليل بأن المعركة محسومه لحساب النصر والتحرير الكامل والشامل لجرود عرسال ، والعرساليون على لسان رئيس بلديتهم ينتظرون من المقاومه تحرير الأرض والجرود وتسليمها لأهلها ليقولوا “شكراً حزب الله ” .
صحيح ان معركة تحرير جرود عرسال من المسلحين الارهابيين كانت منتظرة، وصحيح ان معطيات وظروف ووقائع اتخاذ القرار بالشكل الذي اتخذ به كانت ايضا مستنتجة مسبقاً، حيث لعبت حساسية وخصوصية العملية لناحية طريقة اشتراك الجيش اللبناني بها او لناحية التنسيق المفترض طبيعيا ومنطقيا ان يتم بين الاطراف المشاركة بها، ولكن ما هو اللافت والمفاجىء كان مناورة عناصر حزب الله في المرحلة الاولى من الهجوم، والتي شكلت علامة فارقة في العمليات الهجومية الخاصة في العلم العسكري بشكل عام.
من خلال اجراء دراسة شاملة لعناصر اتخاذ القرار بشكل وطريقة ومكان المناورة، والتي تفترضها عادة كل عملية عسكرية، من الارض وطبيعتها، الى العدو وعديده وطريقة قتاله او طريقة تمركزه، الى الصديق المهاجم وامكانياته، الى الهدف الرئيسي والاهداف الثانوية من العملية، والى الاحتمالات الاكثر خطرا فيها، كان من غير المتصور ان تعمد وحدات الاختراق في المقاومة الى تحديد محور الجهد الرئيسي من العملية في البقعة او الجهة الاصعب والاكثر تحصينا، الامر الذي تجاوزته المقاومة في عملية تحرير جرود عرسال بالامس (الجمعة 21-7-2017) وقررت السير بالمناورة الاخطر والاكثر حساسية ودقة .
لقد تم تنفيذ المهاجمة عبر محورين، الاول ثانوي انطلق من جرود فليطة في القلمون السوري واستهدف السيطرة على عدد من التلال الاستراتيجية الحدودية مع لبنان والمشرفة على عمق بقعة انتشار جبهة النصرة في جرود عرسال، والثاني اساسي انطلق من جرود عرسال الجنوبية الشرقية في بقعة مشرفة على وادي الخيل، واستهدف الوادي المذكور والكسارات وسهل الرهوة، في عملية نوعية صاعقة، واجهت اصعب مواقع النصرة واكثرها تحصينا في المواقع المذكورة، وبوقتٍ قياسي في ارض واسعة ووعرة، نُفذت المرحلة الاولى من العملية، والتي كانت تقضي بشطر بقعة انتشار النصرة تقريبا الى قسمين، وباتت مواقع الارهابيين من تنظيم القاعدة مفصولة بخط انتشار من الوحدات المهاجمة يمتد من وادي الخيل مرورا بشمال شرق الكسارات وصولا الى سهل الرهوة، ولم يعد ينقصه لاكتمال هذا الفصل بالكامل الا التقدم شمالا بضعة كيلومترات حتى تخوم سهل عجرم مع امتداده شرقا حتى معبر الزمراني الحدودي مع سوريا، والفاصل بالاساس بين داعش والنصرة .
من هنا، وانطلاقا من النقطة التي وصلت اليها العملية مؤخرا، يمكننا القول ان الجهد الرئيسي قد تم تنفيذه، والتحضير يجري لاكمال المراحل التالية والتقدم شرقا للضغط على مسلحي النصرة حتى جرود فليطا ومعبر الزمراني، وغربا للضغط باتجاه وادي حميد وشمال الكسارات المشرفة على مخيمات اللاجئين السوريين وعلى مواقع الجيش اللبناني شرق بلدة عرسال مباشرة .
هذه العملية تسير مبدئيا حسبما هو مخطط لها من كافة النواحي والمعطيات والمعوقات او الاحتمالات الخطرة او الحساسة المرتقبة نتيجة كل عملية عسكرية، فمن الناحية الميدانية، تسير العملية بتوقيت معقول ولن يؤخرها قليلا الا خصوصية التعامل مع مسلحين ارهابيين مزنرين باغلبهم باحزمة ناسفة، ويتحصنون في مراكز وانفاق وخنادق عملوا سنوات على تقويتها وتحضيرها لهذه المواجهة التي كان يجب ان تتم قبل الآن .
من الناحية السياسية، ما عدا بعض الاصوات او الابواق التي اعتادت عليها الساحة الداخلية، فإن الجميع مقتنع بضرورة تنفيذ العملية لما لذلك من اهمية وضرورة امنية واجتماعية واقتصادية للبلد بشكل عام ولابناء عرسال والمحيط القريب بشكل خاص، وكان مهما قرار الحكومة اللبنانية دعم الجيش بتنفيذ عملية مدروسة في جرود عرسال، الامر الذي انسحب الى شكل موافقة رسمية لبنانية ضمنية لها، وحيث اضطلع الجيش اللبناني بدور مهم وحساس جداً قائم على عزل كامل لبقعة العمليات عن البلدة وعن مخيمات اللاجئين المنتشرة في محيط الجرود وعلى امتدادها، فإن وحداته نجحت حتى الان في عزل والغاء الاحتمالات الخطرة التي كان من الممكن ان تنتج عنها، الا وهي تسلل وتدفق المسلحين الى المخيمات او الى عرسال، حيث كان ذلك سيعقد المشهد لدرجة كبيرة .
واخيرا …ستكون هذه العملية، والتي دخلت في طريق النجاح الصحيح والثابت بعد المناورة الهجومية اللافتة في اختراق مواقع ارهابيي جبهة النصرة، ستكون مفصلا مهما في انهاء الوضع الشاذ الذي رافق انتشار الارهابيين في جرود لبنان الشرقية والشمالية الشرقية، وستعود عرسال وتلالها وجبالها وحقولها الى ابنائها، وسينتشر الجيش اللبناني على كامل الحدود متخطيا خصوصية وحساسية ما رافق ذلك الانتشار الارهابي من ويلات ومشاكل، وستعود المقاومة الى مهمة اخرى والى دور آخر في دعم ومساعدة جميع ابناء الوطن من المؤيدين او المعارضين لها، المقتنعين بدورها وبتضحياتها او المشمئزين، المدركين لحساسية الوضع في المحيط بشكل عام، او الاغبياء الجاهلين الحقودين .